كنتُ رضيعاً ، حين كانت اختي “ ملَك ” تبلغ الرابعة ، وتلهو بدميتها ..
واخوَيّ الأكبران يمازحانها و يلاعبانها ..
وكلما اقترب احدهما مني داعب شعرات رأسي الناعمات القصيرات .. كنتُ أراقب ماحولي في صمت والتقم ثدي أمي كلما جُعت ..
لكن دقاتِ قلبها اليوم تؤرقُني ولا أنام رغم شبعي ..
كانت تضمّني لكن هناك خطْبٌ ما ..
غداً في رابعة النهار كانت “ ملَك ” تلهو كعادتها و كنت استلذّ بحضن أمي ودلالها .. سقطَت أختي فجأة عن الدراجة فصرخت صرخة صغيرة ..
لتنطلقَ والدتي نحوها بعد أن وضعتني على الأرض .. أخواي واقفان في قلق واضطراب ..
غمغمت أمي بكلام لم افهمه .. لكن اخويّ ازدادا اضطراباً و هلعاً ..
جاء أبي من عمله وأنا أبكي إهمال والدتي لي ..
أنا جائع ، وأريد أن أتنظف واستحم ..
خرجا معاً واستبقياني عند الجارة ..
اخوَيّ صامتان أمامي ..
يجلسان وعيناهما لا تكادا ترتفعان عن الأرض ..
ومازلتُ أنا محتاجاً للطعام والنظافة ، و لكن شعور الخوف والوحدة استبدا بي ..
هل تخلت والدتي عني ؟
هل سأبقى وحيدا قذرا جائعا ؟
بعد دهرٍ أو أكثر في مُخيلتي ، عادا فمددتُ ذراعَيّ لأمي احمليني.. احمليني !
أمي مُنهكة وأختي نائمة بين ذراعَي والدي واخويّ صامتان ..
أخيراً ها أنا أعود للأمان والنظافة والحب ..
ها أنا أعود لأمي ..
كانت تُلبسني ملابسي ..
وكنتُ انظر لعينيها .. لقد كانت مشحونة بالحزن ..
أخذَت أمي أختي لتحممها وقبل أن تتركني أعدت لي رضّاعة “ ليست شهية لكنها تفي بالغرض حتى تعودَ أمي ”
خرجَت أمي بـ “ مَلك ” لكنها ماتزال نائمة ، حمَّمتها و أتت بخِرق بيضاء و غطتها من رأسها لأقدامها الصغيرة وهي تبكي و تنشُج ليتسلّمها أبي و يقبّلها هو وأخوَيّ و يبكيان بحرقة .. غادرَت ملك .. وأنا أتناول وجبتي وأنظر جثمان “ الملاك ” بلا إدراك لفلسفة الموت والرحيل ..
تعليقات
إرسال تعليق