التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جنين !

عدا عن كوننا لم نبلغ بعد مرحلة اكتمال العائلة الصغيرة لنكون والدين لكائن صغير يدعى " طفلنا " إلا أننا نُعدّ من السعداء ، المحظوظين .
أنا الذي ما تمنيتُ أكثر من زوجة لطيفة تبادلني حباً بحب ، متناغمين فِكراً وروحاً ، إنها الرياض الغنّاء الفسيحة ، المعشّقة بالورد والأنهار والشجر .. لكم دعوتُ الله أن يوفقني كي أكون لقلبها كما هي دوماً لقلبي ، فرحاً ورضا واكتفاء ..
لكن الناس يؤلمهم أن يروا فيك لون سعادة ، تعذبهم ابتسامتك ، فلا يألون جهداً ليفيضوا عذاباتهم عليك ، ينغصون حياتك ، ويثيرون زوابع همجية تحطمك ..
فكانت أشواكهم تخز قلبي كلما أفرطوا في الهجوم ، لتنقلب تلك السَكينة إلى  هزات ..
لطالما شوهوا فرحتنا بالإشارة " مالكما لم تنجبا ؟!" وما أعجبهم عندما يضربون بقسوتهم نحر راحتنا ، أنا وعصفورتي ،نعم عصفورتي فقلبها لم يحمل سوى البراءة والجمال حتى أنني أخاف أن يمسّها مكروه من كلمةٍ عابرةٍ من قلوب غلاظ ..
هاهي مشيئة الله سبقت لنلاقي أجر صبرنا بعد عذاب استطال ، هاهو البذر ينمو بقدرة الكريم لنسجد لله شكراً وتطيب نفوسنا حبوراً ، يوماً بعد يوم نرى صنائع الله فنحمده على العطاء ..
أتذكر كيف كنت أراقب وجه ملاكي كلما تحرك جنينها فتغتبط فرحاً ، كانت تضيء كالنجم ، تشرق كالشمس ، كأنها تحتفل كل لحظة وكل لحظاتنا أعياد ..
ذات ليلة ، نظرتُ إليها نائمة ، لم أخبركم كم أحب أن أتأملها في نومها كطفلة بريئة ، كانت رغم تعبها تبدو كالسحر الشهي ، لا تملك إلا أن تبتسم حين تراه ، وقتئذٍ رأيتُ السحر يشحب ، ودفق النور ينضب ، كأنّ حرباً طاحنة دارت في روحها فحولتها لخراب .. بقيتُ أنظر في رعب وقلبي منهك أمام هذا التغيير ، تفرستُ فيها ، ماهذا الموت الأسود الذي يعلو ملامحها ؟ هل تعاني هكذا كل أم تنتظر وليداً؟ أو أن ما أراه خاصٌ جداً ؟
لمستُ الرهبة في نفسي حين لاحظتُ تيبس لساني وجفاف ريقي ، لقد فكرتُ أن أحركها لأطمئن أنها ما تزال حية ! ماهذه الفكرة المجنونة ؟ هل هي ميتة؟ لا ، لا أريد أن أعرف . لا احتمل فكرة رحيلها عني في غمضة عين ..
لماذا لا أراقب نبضها ؟ إن كانت نائمة سأزعجها وهي بالكاد تنام من تعب الحمل ؟ ماذا أفعل ؟ أراقب أنفاسها ؟ حسناً ، مالي لا أراها تتنفس ؟ يجب أن أبعد عن رأسي وساوس الشيطان !
قررتُ أخيراً الكلام وإيقاظها .
أريد أن أوقف الهواجس وأبعد عن رأسي الأفكار ..
يجب أن أكون حذراً ولا أثير قلقها ..
طفلتي هل تتألمين ؟
في لحظة طويلة كأنها العمر ظننتُ أني أموت وأحيا مئات المرات بل آلاف ، حتى كاد قلبي يخرج من صدري عندما سمعت تنهيدة تصدرها لتجيبني وتعب النوم والحمل يثقلاها .. كيف عرفت عن ألمي؟
أشعر بثقل في بطني وظهري منذ الصباح .. أصررتُ عليها أن نذهب للطبيب في الغد وكان ذلك ..
كان صباحي قلقاً ، وجهها مافتيء يبدو شاحباً تستولي عليه العواصف السوداء .. لا أريد أن أسبب لها الاضطراب .. هانحن ندخل العيادة ..
لم نكن مرتبكَين كما الآن ، الطبيب يؤكد على موت الجنين وهو لمّا يخرج بعد للحياة ! 
نظرَت لي وقلبها الصغير يرتعش ودمعها يحطم قلبي .
ساد الصمت سوى من لوعة ..
كنا نسمع قلوبنا تتهدّم  .
صرخنا في أعماقنا : مات طفلنا ؟!
مازلت أذكر كل شيء ، كل شيء مخزون في رأسي ، ما رأيته في ليلتي وما سمعته في النهار ..
كان الموت يصول ويجول وأنا ألاحظه بصمتٍ أخرق أخرس ..
الموت جاء بمطره السقيم فأحرق حقولنا وأمات سنابلنا ..
شبحٌ أسود مشّط بالسكين فرحتنا الصغيرة ..
كحت عظامها حتى طُحنت ، وبقيتُ أسأل نفسي ..
هل يربض الموت على الوجوه قبل أن تُعلن الوفاة ؟!
  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طفلة بين يديك

بين يديك ..  أُلقي روحي لتمحو كل آلامي .. كَـ طفلةٍ مدللة تبكي في حضن أبيها .. ليغمر قلبها سكينةً و سلاماً .. نعم .. أشكر الله كثيراً .. لأنك نعمةٌ أخاف عليها من الزوال !

كسر القيود ~

بعيداً عن الأحاديث المنمّقة و الجُمل المركبة بدقة .. كنتُ إنساناً يلهث خلف عجلة الزمن مخافة انهيار عقارب الساعة على رأس السراب .. كنت أهرب من الماضي للحاضر ..للمستقبل المجهول ..  أي شيء كان أفضل من "الآن" الميّت احتضاراً .. أي شيء كان سينقذني و لو كان مجهولا .. وجاء المجهول .. ومعه المستقبل .. جاءا ..! بالكاد أسمي هذا مجيء ... بل هو سطوة .. هو قائد .. و أنا مقيّدة .. مصفّدة الإرادة .. مستسلمة بلا شعور .. اعترف .. كنت أنام تحت تأثيره .. القلب وحده الواعي .. قد كان يخفق باختناق .. محاولات مستميتة للخلاص .. كان أولها إيقاظ الروح .. قُرعَت نواقيس الخطر .. حان الوقت لكسر القيود .. واختراق حاجز التسليم بقدَر لم يكن مكتوباً .. الآن .. إما الموت تحت وطأةِ الجنون .. أو الفرار من الجحيم .. و قد قررت ..!

قلب من ورد ..~

تلك القلوب تعذبت حتى ذوَتْ .. أوراقُها وتمزقتْ بيديكَ .. لا تشكوَنْ أشواكها إذْ لم تُرِدْ .. منها السّقا وبالندى ترويكَ .. .